منذ اللحظة التي ظهر فيها موسى بن ميمون على مسرح التاريخ، يتعامل أبناء وبنات جيله، وكذلك أبناء وبنات الأجيال القادمة، الإنتاج الغزير للفيلسوف، المرجعيّة الدينيّة اليهوديّة والطبيب اليهوديّ العظيم. ندعوكم لتصفح الخريطة واكتشاف القصص حول الموادّ المميّزة التي تُعرض في معرض مشترك للمكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة ومتحف إسرائيل.
هيا نبدأ
الترجمة اللاتينيّة لـ "لتثنية التوراة" لموسى بن ميمون، طُبعت في أمستردام عام 1638. نسخة من العمل محفوظة في المكتبة الوطنية الإسرائيليّة.
خلال فترة الإصلاح بدأ مثقّفون بروتستانت بالعودة الى الكتاب المقدّس بحثًا عن قالب لدستور سياسيّ مقدّس. سرعان ما أدركوا أنّه سيكون من الصعب عليهم سبر أغوار الكتاب المقدّس، من دون الاستعانة بالأدب العبريّ المتشعّب الذي تطوّر على مدار آلاف السنوات منذ أن أوحاه الله إلى موسى.
هؤلاء العلماء الذين عُرفوا باسم "عبرازيم"، "استدعوا" الآن أعظم كتّاب شعب إسرائيل من جميع الأجيال لتقديم إجابات عن العديد من الأسئلة التي جالت في خواطرهم خلال قراءة الكتاب المقدّس. للقيام بذلك، بدأ العديد من علماء البروتستانت بترجمة الأعمال الرئيسيّة في الأدب الدينيّ اليهوديّ. وهكذا، لأول مرة التاريخ تُرجمت بشكل منهجيّ االتوراة، والتلمود (البابليّ والمقدسيّ)، المدراش، كتاب الزوهار، مؤلّفات موسى بن ميمون، التوراة وعشرات كنوز المكتبة اليهوديّة إلى العديد من اللغات الأوروبيّة: اللاتينيّة، الإنجليزيّة، الألمانيّة وغيرها. في عام 1638، طُبعت الترجمة اللاتينيّة لتثنية التوراة موسى بن ميمون في أمستردام إلى جانب المصدر العبريّ الأصليّ.
في عام 1984 دقّقت الباحثة إيڤلين م. كوهين في الرسوم التوضيحيّة في مخطوطة "تثنية التوراة" لموسى بن ميمون المحفوظة في مجموعة داڤيد كوفمان ، ولاحظت أمرًا غير اعتياديّ. في المشهد الذي يظهر فيه موسى وهو يسلّم الألواح إلى بني إسرائيل، لاحظت كوهين شخصيّة أخرى تم شطبها وطمسها تحت تصحيح لاحق.
ملصق محفوظ في المكتبة الوطنية الإسرائيليّة يحكي قصّة حدث استثنائيّ: مصارعة ثيران للاحتفال بعيد الميلاد الـ 800 لموسى بن ميمون.
ملصق محفوظ في المكتبة الوطنية الإسرائيليّة يحكي قصّة حدث استثنائيّ: مصارعة ثيران للاحتفال بعيد الميلاد الـ 800 لموسى بن ميمون.
"دلالة الحائرين" نُسخت المخطوطة في برشلونة سنة 1347 - 1348. هذه المخطوطة محفوظة اليوم في المكتبة الملكيّة في الدنمارك، كوبنهاعن.
جميع المعلومات التي نعرفها عن ناسخ المخطوطة التي أمامنا مأخوذ من "الكولوفون" البيانات في نهاية المخطوطة - نصّ قصير، يرد عادة في نهاية الكتاب يشرح من نسخ المخطوطة، متى نسخها وأحيانًا في أيّ الطروف تمّ نسخها أيضًا. هذه المعلومات تكون عادة محدودة جدًّا. حسب هذه البيانات أنهى ليڤي بار يتسحاك، من مواليد سلامانكا، نسخ المخطوطة في سنة 1347 - 1348 . تمّ نسخ المخطوطة بطلب من الطبيب اليهوديّ مناحيم بتسلئيل من برشلونة والذي بخلاف تمنّيات الناسخ في الكولوفون، لم يحالفه الحظّ بالاستمتاع بالمخطوطة لفترة طويلة، إذ إنّه بعد عام من الانتهاء من نسخ المخطوطة توفّي هذا الطبيب الذي كان طبيب البلاط الملكيّ في إسبانيا. تشير الآية التي اختار الناسخ إنهاء الكولوفون بها إلى وجهة النظر السائدة بالنسبة إلى الكتاب في إسبانيا في القرن الـ 14: ليس مؤلَّفًا مقصورًا على قلّة قليلة مميّزة، وإنّما هو دليل فلسفيّ" صَنَعَهَا مُوسَى أَمَامَ أَعْيُنِ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ (سفر التثنية، الإصحاح 34 الآية 12).
من الممكن بالتأكيد أن يكون استخدام آية معيّنة ليس من قبيل الصدفة. فالآية الكاملة التي اقتبس منها ناسخ الجملة هي: "فِي كُلِّ الْيَدِ القويّة وَكُلِّ الْمَخَاوِفِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي صَنَعَهَا مُوسَى أَمَامَ أَعْيُنِ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ". "اليد القويّة" هو الاسم الذي يطلق على مؤلَّف آخر لموسى بن ميمون وهو "تثنية التوراة" لأن كلمة "يد" تعادل رقم 14 بحساب الجُمّل - وهو عدد فصول هذا المؤلَّف.
دلالة الحائرين ونصوص فلسفية أخرى. نُسخت المخطوطة في روما في عام 1283. وهي محفوظة الآن في المكتبة البريطانيّة في لندن.
"دلالة الحائرين"، مؤلَّف فلسفيّ كتبه موسى بن ميمون ' باللغة العربيّة في الأصل، وترجمه إلى العبريّة صموئيل بن طيبون بالتشاور مع موسى بن ميمون. بعد وفاة موسى بن ميمون ترجمه إلى العبريّة الشاعر يهودا الحريزي ترجمة شعريّة. اشتهرت الترجمتان في جميع أنحاء العالم اليهوديّ.
بعد مرور ثمانين عامًا تقريبًا على وفاة موسى بن ميمون، نسخت ورُقِّنَت في روما عام 1283 إحدى أولى مخطوطات "دلالة الحائرين". في الأصل، كانت المخطوطة جزءًا من مجموعة تضم 23 نصًّا فلسفيًّا، معظمها لموسى بن ميمون نفسه.
نسخ المخطوطة الناسخ ابراهام بن يوم طوڤ هكوهين بطلب من المصرفيّ شبتاي بن متتياهو - وكلاهما من روما. رقَّن الناسخ جزءًا من المخطوطة، في حين أنّ ورشة متخصّصة في ترقين المخطوطات العبرية، أشرفت على تلوين الرسوم التوضيحيّة.
في نهاية القرن الـ 13، ازدهر فنّ المخطوطات العبريّة المرقّنة في إيطاليا عامّة، وفي روما والمناطق المحيطة بها على خاصّة. نجد دليلًا حيًّا على ذلك في هذه المخطوطة لـ"دلالة الحائرين" وغيرها من الأعمال الفلسفيّة الأخرى لموسى بن ميمون أُنتجت عام 1283 في روما.
بدأت كتابة المخطوطة في المغرب عام 1161، وانتهت في مصر عام 1168. من بين الأجزاء الستّة لكتاب "تثنية التوراة" لموسى بن ميمون، تبّقت حتّى اليوم خمسة أجزاء مكتوبة بخطّ يده: سفر الأعياد وسفر النساء موجودان في المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة في القدس، وأسفار البذور، الأضرار والمقدسات الموجودة في مكتبة بودلي في أكسفورد. أمّا سفر الطهارة فهو مفقود.
كُتب "تثنية التوراة" خلال ترحال موسى بن ميمون في منطقة حوض البحر المتوسّط. بدأت الرحلة في المغرب التي فرّ إليها لاجئ حرب قبل ذلك بعدّة سنوات. لقد فرّ هو وعائلته من موطنه إسبانيا أيضًا في أعقاب صعود الموحّدين- حركة إسلاميّة متطرفة - إلى سدّة الحكم. بعد سنوات قليلة اضطرّ إلى الفرار إلى المغرب أيضًا. وصل موسى بن ميمون من المغرب إلى أرض إسرائيل التي قضى فيها خمسة أشهر، حتّى قرر مغادرتها أيضًا ليستقرّ في نهاية المطاف في وجهته النهائيّة – القاهرة في مصر. بعد سبع سنوات من بداية العمل على تفسير تثنية التوراة أنهاه موسى بن ميمون ابن الثلاثين في مصر.
يعتبر تفسير تثنية التوراة أوّل أكبر عمل أدبيّ لموسى بن ميمون. منذ لحظة نشر التفسير، بعد عامين من وصوله إلى مصر، أصبح موسى بن ميمون رئيسًا للمجتمع اليهوديّ في مصر. يشير إنهاء التفسير من حيث تاريخ موسى بن ميمون إلى تحوّله إلى قائد معروف ليهود مصر خاصّة، واليهود في الشرق عامّة. اختتم موسى بن ميمون كتابه بالاعتذار التالي:
"لقد أتممنا هذا الكتاب كما حدّدنا، وأطلب منه تعالى وأرجوه أن يُجيرني من الأخطاء. كلّ من يجد مجالًا للتشكيك أو يرى أنّ هناك تفسيرًا لأحد أحكام الشريعة أفضل من التفسير الذي قدّمته، فليُبدِ ملاحظاته على ذلك وليظنّ فيّ خيرًا، لأنّ ما فرضت على نفسي في هذا ليس قليلًا وتنفيذه ليس سهلًا عند ذي عدل وقدرة تمييز جيّدة. خاصّة وأنّي كنت في كثير من الأحيان قلقًا بسبب حوادث الدهر وما قدّره الله لنا من شتات وترحال في العالم من أقصاه إلى أقصاه، وربّما قد نكون نلنا الثواب على هذا شتاتًا يُكفّر عن الخطيئة. يعلم الله سبحانه وتعالى أنّ هناك أحكامًا دوّنت تفسيرها خلال أسفاري في الطرقات، ومنها أمور دوّنتها وأنا على متن السفن في البحر العظيم".
رسالة من جنيزة القاهرة، القرن الـ 12. الرسالة محفوظة حاليًّا في مكتبة جامعة كامبريدج، في مجموعة مقتطفات من جنيزة القاهرة (خزينة وثائق قديمة باللغة العبرية) على اسم تايلور - شخطر.
في إحدى الرسائل المذهلة الموجودة بين نصوص جنيزة القاهرة ذات الصلة بموسى بن ميمون، يتحدّث رجل يهودي عن اجتماع عُقد في منزل موسى بن ميمون قبل سنوات عديدة. في ذلك الوقت، طٌلب من الكاتب أن يسلّم موسى بن ميمون رسالة خاصّة، واعتقد أنّ اللقاء سيستغرق بضع دقائق فقط.
لدهشته، تمت دعوة المبعوث إلى غرفة موسى بن ميمون مع ابنه الجلال. فتح موسى بن ميمون الرسالة بحضور حاملها وقرأها، أراد موسى بن ميمون إطلاعه منذ صغره على شؤون قيادة الجمهور من أجل إعداده للمستقبل.
وبينما كان الكبار ينهون ما بينهم، دارت بين الصبيّين محادثة مضحكة. علّم إبراهيم الجلال أحد صفات المخاطبة الأحبّ إلى والده. سادت روح طيّبة كامل الاجتماع، وكان موسى بن ميمون الذي استمع إلى محادثة الولدين، يمازح الجلال هو أيضًا.
صحيح أنّ موسى بن ميمون لم يولّ ابنه منصبًا عامًّا، لكنّ استثماره فيه كان ناجحًا ومُجديًا: بعد وفاته، أدرك أبراهيم موقع القيادة الذي كان موسى بن ميمون يشغله في حياته وأصبح مفكّرًا هامًّا ومرجعيّة هامّة في الشريعة لقواه الذاتيّة.
الطبعة الأولى من المشناه مع التفسير الذي كتبه موسى بن ميمون. طُبع الكتاب في نابولي عام 1492. تحتفظ المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة بنسخة منه.
كما هو معلوم كان الهدف الرئيسي لموسى بن ميمون من خلال كتابه "تثنية التوراة" إلغاء الاعتماد على أدبيّات التلمود. لقد طمح إلى أن يجد القارئ في كتابه جميع الأحكام والشرائع الضروريّة للمؤمن للحفاظ على حياة يهوديّة بكامل تفاصيلها.
صدرت الطبعة الأولى للمشناه مع تفسير موسى بن ميمون، في نابولي، إيطاليا عام 1492، وهو العام الذي طُرد فيه اليهود من إسبانيا. منذ وقت مبكر، بداية الطباعة بأحرف عبريّة، عُثر على نقطة ضعف مشروع التفسير الكبير لموسى بن ميمون: إذ إنّ حكماء يهود رفضوا التخلّي عن السفسطة والجدل التلموديّ. إذ حوّلوا أعمال موسى بن ميمون إلى طبقة أخرى في أدب التفسير الواسع الذي سعى موسى بن ميمون إلى إيجازه وتنقيته.
تحتوي النسخة المحفوظة في المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة على ملاحظات بخطّ يد المدقّق الحاخام شموئيل ليرما.
كُتبت مخطوطة حلب في طبريّا حواليّ سنة 930 م. وهي موجودة في متحف إسرائيل، بملكيّة معهد بن تسڤي في القدس.
إنّ مخطوطة حلب هي أقدم مخطوطة للكتاب المقدس معروفة لنا اليوم التي حُفظت بأكملها تقريبًا. تمّ نسخ نصّ التوراة في مخطوطة حلب من قبل الناسخ شلومو بن بوياعا. في نهاية عمله أضاف الحاخام واضع الملاحظات على التوراة أهارون بن آشر المكوّنات الثلاثة في الملاحظات على الكتاب: الضبط بالشكل، علامات التجويد والملاحظات.
من المتعارف عليه أنّ الصيغة المعتمدة لمخطوطة حلب هي أكثر صيغ التوراة الموجودة بين يدينا دقة. إنّ الأهمّيّة البالغة لمخطوطة حلب، بل يمكننا أن نقول – غير المسبوقة، تستند إلى قاعدة أخرى هي صلتها بموسى بن ميمون، إذ أكّدت الروايات والأبحاث التاريخيّة التقليدية، أنّنا أمام مخطوطة من التوراة يكاد يكون من المؤكّد أنّ موسى بن ميمون استخدمها حين عمل على تأليف "تثنية التوراة". كما قال موسى بن ميمون عن هذه المخطوطة "كتاب اعتمدنا عليه في هذه الأمور هو الكتاب المعروف في مصر ويشمل أربعة وعشرين كتابًا، كان في القدس لعدة سنوات لتنقيح الكتب على أساسه، واعتمد عليه الجميع حسب ما نقّحه ودقّقه بن آشر لسنوات عديدة ونقّحه مرّات عديدة كما نسخه (موسى بن ميمون، أحكام التيفيلين والمزوزاه وسفر التوراة، الفصل 8).
بقيت مدوّنة حلب في القدس حتى الاحتلال الصليبيّ للأرض المقدّسة الذين سلبوها وباعوها في سوق العبيد في عسقلان ،هكذا وصل إلى المجتمع اليهوديّ في القاهرة، وهناك التقى بها موسى بن ميمون. لاحقًا نقلها حفيد ابن حفيد موسى بن ميمون إلى مدينة حلب السوريّة، التي عرفت باسم آرام تسوبا، وبقين هناك حتّى حرب الاستقلال في الكنيس الكبير للجالية اليهوديّة في حلب. في عام 1957 هُرّبت المخطوطة من حلب بمساعدة الموساد وسُلّمت إلى السيّد يتسحاك بن تسڤي، الرئيس الثاني لدولة إسرائيل.
بإذن من معهد بن تسڤي، المصور: أردون بن حما
المركز الطبّيّ رمبام، حيفا، إسرائيل. افتتح المركز عام 1938.
بعد الوفاة المفاجئة لداڤيد، شقيق موسى بن ميمون في المحيط الهنديّ عام 1177، ألمّت بموسى بن ميمون أزمة نفسيّة وجسديّة حادّة. على مدار عام كامل، حسب ما ورد في رسالة حُفظت في جنيزة القاهرة والتي أُرسلت إلى ييفت القاضي، انعزل موسى بن ميمون في حجرته، "وبقيت بعده مدّة عام تقريبًا منذ أن وصل الخبر المشؤوم طريح الفراش مصابًا بالجذام والحمّى والذهول، حتّى كدت أن أفارق الحياة". حتّى وفاته كان داڤيد معيلًا للأسرة، الأمر الذي مكّن موسى بن ميمون من تكريس نفسه لقضايا المجتمع وكتابة "تثنية التوراة." أمّا الآن فقد وقع عبء إعالة أسرته وأسرة داڤيد على كاهل موسى بن ميمون. في صغرة حين كان في إسبانيا درس موسى بن ميمون الطبّ.
إلى جانب حقيقة أنّ مهنة الطبّ مهمّة وضروريّة تمكّن الشخص مثل موسى بن ميمون، لاجئ حرب ومهاجر، من العثور على عمل في أي بلد يحلّ فيه، دمج هذا المفكّر الانشغال بالصحّة الجسديّة بالوعي الديني الواسع الذي طوّره. ليتوصّل الإنسان إلى معرفة الله والعالم، معرفة كاملة بأكبر قدر يمكن للإنسان الوصول إليه، عليه أولاً أن يهتمّ بإصلاح الجسد القابل للتحلّل الذي مُنح له.
جانب هامّ من جوانب حياة وعمل موسى بن ميمون، يحظى حتّى اليوم بالاعتراف من خلال عدد كبير من المباني والمؤسّسات. أكثرها أهمّيّة هو إنشاء حي المركز الطبي رمبام في حيفا وهو أكبر مركز طبي في شمال اسرائيل.
إلى جانب العقبات المألوفة التي تقف في طريق كلّ مُبدع وفي طريق كلّ إبداع، هناك عقبات معروفة بقدر أقلّ وأهمّها - حقيقة أنّ الناس يستغلون وقت المبدع لتعزيز أهدافهم. عرف موسى بن ميمون هذه العقبة جيّدًا وعمل كلّ ما في بوسعه للتغلّب عليها.
من بين آلاف نصوص الجنيزة، محفوظة عشرات الرسائل التي أرسلها موسى بن ميمون إلى المجتمعات والأفراد في جميع أنحاء العالم اليهوديّ. تتناول معظم المراسلات مواضيع في الشريعة اليهودية (وأحيانًا مواضيع طبّيّة وعلميّة)، والتي كان على موسى بن ميمون فيها إصدار حكمه التعبير عن رأيه. اعترافًا بمكانته استجاب موسى بن ميمون لهذه الطلبات – حتّى ولو كان ذلك باختصار غير مألوف.
نشهد في الرسالة من الجنيزة المرفقة طلبًا من نوع مختلف ردّ عليه موسى بن ميمون تقريبًا دائمًا بالنفي: في الرسالة التي أُرسلت إلى موسى بن ميمون طلب شخص ما يريد أن يتعمّق في دراسة الفلسفة أن يجد لنفسه مُرشدًا لائقًا. ويشير كاتب الرسالة إلى اهتمامه الكبير بـ 'دلالة الحائرين'، ويسأل المفكّر إذا كان سيوافق على الالتقاء به،أو بدلًا من ذلك - أن ينصحه بشخص آخر لمساعدته في فهم أجزاء مختلفة من "دلالة الحائرين" التي لم يفهمها بالقدر الكافي. بالإضافة إلى ذلك، يرغب الكاتب في نَيْل نصيحة بشأن نظام غذائيّ مناسب يساعده على الصمود خلال نشاطاته الفكريّة.
كان ردّ موسى بن ميمون الذي كُتب في ذيل الرسالة، ردّه الروتينيّ على طلبات من هذا النوع: بما أنّه مريض، أنهكه التعب، أنها لا يملك الوقت أو الطاقة اللازمة لمثل هذا اللقاء اللحظات الوحيدة التي يمكنه تكريسها لكاتب الرسالة ستكون في الكنيس يوم السبت. أمّا بالنسبة إلى التغذية فقد نصحه موسى بن ميمون بتناول اللوز والزبيب وعسل التمر.
الرسالة نفسها لا تحمل تاريخًا. من المغري التحديد وفق إجابات موسى بن ميمون أنّ هذا الردّ كُتب قُبيل وفاته، ولكن بما أنّ ردوده على المعنيّين كانت عبارة عن صيغة ثابتة – فمن الممكن أن يكون الردّ قد أُرسل سنوات عديدة قبل وفاته.
سفر القضاة من "تثنية التوراة". نُسخت المخطوطة في اليمن عام 1433. المخطوطة محفوظة في المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة.
العلاقة الطيّبة بين موسى بن ميمون ويهود اليمن معروفة جيّدًا منذ عهد موسى بن ميمون نفسه. عندما كان في منتصف الثلاثينات من العمر توجّه إليه رئيس المجتمع اليهوديّ في اليمن، الحاخام يعكوڤ بن نتنئيل، في أعقاب الاضطهاد الشديد الذي تعرّض له يهود اليمن في العشرين سنة الماضية. في سنة 1172، أرسل موسى بن ميمون "الرسالة إلى أهل اليمن" التي عرض فيها دعمه الدينيّ، الأخلاقيّ والإنسانيّ لليهود المضطهدين، على الرغم من أنه كان يُدرك ويخشى الثمن الذي قد يدفعه هو نفسه.
تكرار نسخ كتابات موسى بن ميمون هو جزء من منظومة العلاقات المركّبة بين الطرفين: من بين تقاليد المخطوطات اليمنية-اليهودية ، تعتبر كتابات موسى بن ميمون نوعًا أدبيًّا خاصًّا، وتلقى اهتمامًا استثنائيًّا. تعتبر مخطوطة سفر القضاة من "تثنية التوراة" المحفوظة في المكتبة الوطنية مثالًا حيًّا على ذلك.
فيلم للأطفال عن موسى بن ميمون، من إنتاج قناة "هيدبروت" بالتعاون مع صندوق دسطني.
في العصر الرقميّ أيضًا لا تزال شخصيّة موسى بن ميمون محتفظة بتعقيدها الكبير. طبيب، فيلسوف ذو تأثير عالميّ، مصلح يهوديّ ومتضلّع في الشريعة - أيّ تطبيق أو موقع عن موسى بن ميمون (وهناك عدد غير قليل منها) يختار التركيز على جانب آخر من شخصية.
رُفع إلى موقع يوتيوب فيلم كرتون مدّته ساعة تقريبًا بناء على الكتاب المصوّر للأطفال وعنوانه: "الرمبام: الحاخام موسى بن ميمون". ألّف الكتاب ر.ب، أبرخ، ورقّنتاه ڤلوديا سولوب وسڤتلانا بكركوڤسكي. يهدف الفيلم الذي يتتبّع حبكة الكتاب بدقّة، إلى تسهيل تعرّف الأطفال على شخصية موسى بن ميمون عن طريق قصّة حياته التي تتضمّن التركيز على مأساة وفاة شقيقه داڤيد، وإسقاطات هذه الكارثة على حياته.
موقع "كتيب" في المكتبة الوطنية الإسرائيليّة. رُفع الموقع إلى شبكة الإنترنت عام 2017
في إطار إنشاء موقع "كتيب"، المكتبة الرقميّة الدوليّة للمخطوطات باللغة العبريّة، تمّ مسح آلاف المخطوطات العبريّة من الجامعات ومعاهد البحوث والمكتبات والمجموعات الخاصة وتحميلها على شبكة الإنترنت. لموسى بن ميمون حضور بارز ومركزي في الموقع.
كتابة اسم موسى بن ميمون تُفضي إلى 4781 مؤلّفًا مختلفًا: تبرز المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة على رأس الترتيب، مع 376 مادّة - جميعها مخطوطات - المرتبطة بعمله: تفسير المشناة بخطّه، ونسخ من أعمال موسى بن ميمون ومخطوطات تشرح فكره.
موقع "موسى بن ميمون اليوميّ"، بدأ المشروع عام 1984، قبل ظهور الإنترنت في إسرائيل.
من أجل من يرغب منّا في الحفاظ على علاقة مستمرّة مع موسى بن ميمون وفكره، طُوّر مشروع من مشروع موقع موسى بن ميمون اليوميّ الذي يمكن الانضمام إليه من خلال الموقع الإلكتروني للمشروع. في زاوية حول الموقع، يمكن إلقاء نظرة سريعة على الرؤية التي يستند إليها هذا المشروع الطموح: بما أنّ موسى بن ميمون هو الوحيد الذي شمل في كتاباته كافّة مواضيع الشريعة الواردة في التوراة الشفويّة، فإنّ مسار الدراسة اليوميّ في موقع موسى بن ميمون، يفرض دراسة فصل واحد يوميًّا على مدار عامين وعشرة أشهر (ما مجموعه 1000 فصل)".
هناك إصدار تطبيق للمشروع، وأيضا - لأنه لا يمكن كم دون أمر كهذا - كتب دراسيّة مطبوعة مع رسومات توضيحيّة للحاخام عدين إبن يسرائيل شطاينزالتس.
لم يُمكّن اختراع الطباعة من نشر كتابات موسى بن ميمون على نطاق واسع فحسب، بل منح موسى بن ميمون مكانته من جديد. أو، على نحو أدقّ، منحه صورة يمكن للناس ربطها بشخصيّته.